الجزء الثاني (من ثلاثة أجزاء)
تحليل لآيات كتابية
ماهو المفهوم الكتابي للحل والربط؟ لكي نفهم ما يقوله الكتاب ينبغي أن نحلل
الآيات الأساسية التي يستند إليه كهنة الحل والربط وهي (متى 19:16): " فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاوَاتِ.
وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَات"
و(متى 18:18): " اَلْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاءِ
وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ".
أولاًماهي القواعد الأساسية لتفسير الآيات؟
لفهم المعنى المراد من أي آية علينا ان ننتبه لعدة أشياء:
أولاً: السياق العام الذي جاءت خلاله الآية سواء سياق الإصحاح أو السفر
نفسه، كذلك السياق التاريخي والإجتماعي... إلخ
ثانياً: اللغة الأصلية التي فيها النص سواء العبرية، الآرامية أو اليونانية
ثالثاً: كيف يتماشي
المعنى مما سبق مع السياق اللاهوتي العام للكتاب المقدس
ثانيًا: مت 16:
يدور الإصحاح السادس عشر من إنجيل متى حول الإيمان، يبدأ الإصحاح
بالفريسيين والصدوقيين الذين يطلبون آية من يسوع، ثم ينتقل المشهد إلى التلاميذ
حيث يسألهم يسوع: "وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟"، كانت
إجابة بطرس هي برهان على الإيمان الذي كان يطلبه يسوع: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ
ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ"، لكن هذا الإيمان لم يكن بسبب قدرة بطرس الشخصية بل
كما أَجَابَهُ يسوع: "طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْماً وَدَماً
لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ". كان يسوع يسأل
عن الإيمان الحقيقي الذي يعلنه ويكشفه الآب للإنسان، وإستكمل يسوع: "أنْتَ بُطْرُسُ
وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى
عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ
عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى
الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ".
كان إيمان بطرس مختلفًا تمامًا عن إيمان الفريسيين والصدوقيين الذين كانوا يطلبون
آية كي يصدقوا، كان إيمانًا معطى له من عند الآب، لذا كان المترتب عليه أن يتولى
بطرس (وبالتبعية التلاميذ رج مت 18:18) القيادة الروحية بديلاً عن قادة اليهود
الدينيين أي الفريسيين والصدوقيين الذين فشلوا في إختبار الإيمان وفشلوا في إرشاد
الشعب لله، بل وأن يمارس سلطة الحل والربط التي كانت لهم "ويْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا
الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ"
(مت 13:23).
إنتقلت سلطة الحل والربط من القادة الدينيين اليهود إلى التلاميذ وقادة
كنيسة يسوع، لكن كلمة "كنيسة" ἐκκλησία لا يجب أن تفهم بمفهوم
اليوم، فالتنظيم الحالي للكنيسة وشكلها وتعريفها لم يكن له وجود أثناء خدمة يسوع،
لكن يجب أن نفهم معناها في إطار خلفية الكلمة في العهد القديم، كلمة كنيسة ἐκκλησία إستخدمتها الترجمة
السبعينية (اليونانية للعهد القديم) كترجمة للكلمة العبرية קהל وهي إحدى الصيغ المعتادة لكلمة
"جماعة شعب الله" [تعني حرفيًا: مجموعة من الناس مجتمعة لغرض معين].
إذًا كانت صخرة إيمان بطرس هي الأساس
الذي سيبني عليه يسوع جماعته من شعب الله في عهدٍ جديد حيث ستنتقل سلطة الحل
والربط من القادة السابقيين لشعب الله (الفريسيون) إلى القادة الجدد الذين يعدهم
يسوع.
لكن ماهو "الحل والربط" الذي كان يمارسه قادة اليهود الدينيين؟
كلمات "الحل او السماح λύω" و"الربط أو المنع δέω" هي كلمات ذات إستخدام تقني في الفكر اليهودي،
وتعبير الحل/السماح התיר والربط/المنع אסר هو تعبير شائع جدًا
في التقليد اليهودي، وكان يستخدم عند الإشارة لسماح بشئ ما او منع شئ ما من قبل
معلمي اليهود بحسب الشريعة الإلهية وتفسيراتهم لها، بمعنى آخر كانت هناك أمور
محرمة طبقًا لناموس موسى وامور أخرى مسموحًا ما، وكان دور الراباي اليهودي هو
إعلان حل ماهو مسموح به، وربط ماهو محرم، لم يكن الأمر سهلاً فقدت إختلفت مدارس
معلمي اليهود في تفسير الشريعة وبالتالي فيما هو يُسمح به وما يجب ان يُمنع، وهذه
بعض الأمثلة من الكتابات اليهودية عن تعبير الحل والربط وإستخدامه:
- "في اليهودية يعملون في ليلة الفصح، لكن حتى الآن في الجليل لا يعملون.
مدرسة [الرابي] شمعي تربط (تمنع אסר) هذا [اي العمل في
ليلة الفصح] حتى المساء بينما مدرسة [الرابي] هليل تحل (تسمح התיר) بهذا حتى شروق الشمس" Pesachin, cap.
4. hal. 5.
- "لايرسل خطابات بيد الأمم في ليلة السبت ولا في اليوم الخامس من
الأسبوع. مدرسة شمعي تربط (تمنع אסר) ذلك حتى في اليوم
الرابع من الأسبوع لكن مدرسة هليل تحله (تسمح به התיר)" Hieros. Schab. fol. 4. 1
هناك مئات ومئات من تلك الأمثلة في الكتابات الرابانية اليهودية [إنظر
الهامش][1].
لايمكن فهم العهد الجديد خارج عن سياقه التاريخي والإجتماعي، كان يسوع
يهوديًا يخاطب الشعب اليهودي في بيئة يهودية متحدثًا اللغة الآرامية أو العبرية
على تقدير آخر، لذا لا يوجد سبب على الأطلاق يجعلنا نعتقد أن يسوع كان يستخدم
تعبيرات مثل "كنيسة" او مثل "الحل والربط" بطريقة لا يفهمها
المستمع الذي يتحدث إليه يسوع.
الحل/السماح (λύω- התיר) والربط/ المنع (δέω- אסר) كان أمرًا مرتبطًا بتفاسير اليهود لتلك الأمور التي تسمح بها شريعة موسى
او تحرمها، الأمر لم يكن متعلقًا بحل أو ربط أشخاص على الإطلاق (ما تحله- ما
تربطه). أصبح إعلان إيمان بطرس "أنت هو إبن الله الحي" هو الصخرة التي
ستبني عليها جماعة شعب الله في العهد الجديد، وبهذا الإعتراف الإيماني إنتقلت
القيادة الدينية من قادة اليهود الدينيون إلى قادة جدد –هم التلاميذ- الذين
سيقودون شعب الله في العهد الجديد على أساس هذا الإعتراف بيسوع كإبن، وكجزء من
دورهم القيادي على التلاميذ أن يعلنوا ما الذي يسمح به الله وما الذي يمنعه في هذا
العهد الجديد، أمور كثيرة كان محرمة بحسب شريعة موسى أصبحت الآن مسموحًا بها وأمورًا
أخرى كان مسموحًا بها أصبحت الآن ممنوعة، مثال على ذلك في أعمال 15 حيث أحل الروح القدس ما كان قد تم
ربطه من قبل في شريعة موسى: نرى مجمع أورشليم كانت هناك مشكلة متعلقة بالختان، إجتمعت الكنيسة برئاسة
يعقوب الكبير وكان هناك قرار بالأمر :" قد
رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة: أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا
التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون. كونوا معافين".
أعمال 10 حيث أحل الله ما كان قد سبق وتم ربطه من قبل شريعة موسى: نام بطرس وحلم بملآة ممتلئة من كل حيوانات الأرض وصار إليه صوت من السماء
"إذبح وكل" لكن بطرس رفض قائلاً " كلا
يا رب لأني لم آكل قط شيئا دنسا أو نجسا"، لكن كان جواب الرب " ما طهره الله لا تدنسه أنت".
تقدم لنا الآية في (مت 18:18) صورة أكثر وضوحًا،
حرفيًا الآية تترجم هكذا: " كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ
عَلَى الأَرْضِ قد تم ربطه (قبلاً) فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى
الأَرْضِ قد تم حله (قبلاً) فِي السَّمَاءِ"
Ἀμὴν λέγω ὑμῖν· ὅσα ἐὰν δήσητε ἐπὶ τῆς γῆς ἔσται
δεδεμένα ἐν οὐρανῷ, καὶ ὅσα ἐὰν λύσητε ἐπὶ τῆς γῆς ἔσται λελυμένα ἐν οὐρανῷ (Nestle Aland 1997).

الزمن المستخدم في هو زمن مستقبلي يفيد
ان ما يتم حله سوف تكون السماء قد أحلته أولاً، وما سوف يتم ربطه سوف تكون السماء
قد ربطته أولاً، تمامًا مثلما نرى في أعمال 15 في مجمع اورشليم ومثلما نرى في
أعمال 10، لم تكن السماء هي التي ستصدق على ما يقرره بطرس بل بطرس (والتلاميذ) هو
الذي سيعلن لشعب الله في العهد الجديد ما هو مسموح لهم وما هو ممنوع بخلاف ما كان
في العهد القديم.
"تعرفون الحق والحق يحرركم" (إنجيل يوحنا
الإصحاح الثامن)
[1] Hieros. Jom. Tobh, fol. 60. 1;
Bab. Megillah, fol. 26. 7; Hieros. Orlah, fol. 61. 2; Schabb. fol. 16. 4; Bab.
Avodah Zarab, fol. 7. 1; Demai, cap. 6. hal. 11; Maimon. in Gezelan, cap. 4;
Tosaphta in Jevam. cap. 1; Mamrim, cap. 1; Bab. Berac. fol. 23. 1; Hieros.
Horaioth, fol. 48. 3; Pesachin, cap. 4. hal. 5; Hieros. Schab. fol. 4. 1 …etc
اكثر من هايل.. مينا هل انتهيت من كتابة الجزء الثالث؟؟ اتمني ان توافينا بالرابط.. تحياتي لقدراتك علي البحث والتسلسل :)
ردحذفهذا الموضوع معروض بطريقية قوية وجميلة وهو من المواضيع المطلوب معرفتها وفهمها على مستوى الشعب والإكليروس اليوم ... في انتظار الجزء القالث في أقرب فرصة؛ مع تحياتي للكاتب الرائع سر ع
ردحذفperfect :)
ردحذفالتالت امتى ؟
مقال جميل جدا جدا ، ننتظر الجزء الثالث
ردحذفانا قراءت كثير ف هذا الموضوع بس مكنتش فاهم كويس ،
الحقيقه لما قريت المقال بتاع حضرتك اسلوبه بسيط وقوي فهمت ، ممكن تحط المقال باجزاءة ف كتاب وتنشره هيبقي تحفع
ممتاز وواضح وموضوع مهم يلغي عبوديه الانسان لرجل الدين
ردحذف