والدة الإله ... الثيؤتوكوس
دراسة قصيرة وإعادة تقييم للمصطلح اللاهوتي
2010
"السلام للتي ولدت لنا النور الحقيقي المسيح إلهنا،
العذراء القديسة..."
من صلاة باكر - الأجبية
مقدمة:
حينما نُعيد تقييم ودراسة مصطلح لاهوتي قديم، قد نحتته وصكته الكنيسة الأولى، يجب أن نلزم الحذر الشديد، فهذه المصطلحات هي "تابوهات" في نظر كثيرين، لايجب مناقشتها أو حتى تأويلها، هي هكذا ويجب أن تظل هكذا.
لكن هناك إعتبارات أخرى يجب أن نضعها في الحسبان، وهي الظروف التي أدت لصياغة هذا المصطلح، وما كان الهدف منه؟ وهل هذا المصطلح قد وضع لهدف محدد تغير الآن؟ وهل يمكن تغيير هذا المصطلح ليصبح أكثر دقة وأكثر تحديداً للمعنى؟
هذا هو محور هذه الدراسة الموجزة لمصطلح "الثيؤتوكوس Θεοτόκος"... فهي تهدف لإعادة تقييم المصطلح، وتبحث فيما إذا كان هذا المصطلح هو بالفعل الأكثر دقة وتحديداً للمعني، أم يلزمنا الآن أن نطور هذا المصطلح بحسب روح الآباء– لا نلغيه بالطبع- ليصبح أكثر قدرة عن التعبير عن المعني الذي يحمله.
تمهيد:
أي مصطلح لاهوتي وضعه الآباء من خلال نظرتهم الأرثوذكسية لابد لنا كل فترة أن نعيد إكتشافه وإستعادته، وذلك لايمكن أن يتم إلا من خلال إكتشاف الأبعاد الخاصة بوضع ذلك المصطلح أو التعبير.
دعوني أقتبس بعض كلمات من كتاب "من أجل حياة العالم" لللاهوتي الأرثوذكسي أليكسندر شميمن، يقول شميمن: "إن كانت العودة إلي الآباء تعني تكراراً شكلياً مجرداً وخالصاً لمصطلحاتهم وصياغاتهم، لأصبحت بنفس مقدار الخطأ والتقصير الذي تتصف به محاولات إهمال الآباء"[1]، ويضيف " أنه ما من كلمة في النصوص الآبائية هي كلمة مجردة أو مطلقة في حد ذاتها، بل كل كلمة تأخذ معناها ودلالتها اللاهوتية فقط في سياق لاهوتي وروحي واسع"[2]، لذا فالمصطلح اللاهوتي في حد ذاته ليس مقدساً أو معصوماً بل ما يحمله من معنى مقصود.
إن كل المصطلحات اللاهوتية في حد ذاتها هي محاولات تهدف للوصول لأدق معرفة عن الله، ومهما حاولنا من صك ووضع مصطلحات فلا يمكن أن نصل للمعرفة النهائية والأكيدة حول الله المطلق. لذا فقد نجد انفسنا اليوم في حاجة لوضع مصطلحات جديدة تعبر بصورة أدق عن المفهوم اللاهوتي الذي أراد الأباء وضعه في ضوء فهمهم للكتاب المقدس.
لاحظ دائماً أن المصطلحات اللاهوتية ليست سطحية المعني بل معناها الحقيقي هو معنى ضمني (تلميحي) connotative meaning، والأسلوب الأمثل لمعرفة عما إذا كنا نحتاج لمصطلح أدق أم لا في قضية معينة هو الوصول للمعنى الضمي (التضمني : أي المعنى الواسع والشامل الذي يقصده المصطلح) ومعرفتنا بهذا المعنى هي التي ستكشف لنا مدى حاجتنا لإعادة صياغة هذا المصطلح.
الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، بل في غاية الصعوبة، فأنت تحتاج لدراسات متعمقة حول المصطلح ومعناه الحقيقي وإستخداماته وخلفية صياغته التاريخية واللاهوتية وما إلي ذلك، لذا فهذه هي مجرد محاولة للتعرف على مصطلح "الثيؤتوكوس Θεοτόκος" وعما إذا كان يحتاج إعادة صياغة أم لا، والمحاولات قد تُصيب وقد تُخطئ إزاء العظمة المتناهية للاهوت.
المصطلح:
"ثيؤتوكوس Θεοτόκος": مصطلح مؤلف من كلمتين Θεός = الله و τόκος= ولادة ، وضع، حمل. والمعني الحرفي هو "الحاملة لله God-bearer "[3] أو "التي ولدت الله the one who gives birth to God."[4].
لكن هذا المعنى تعاد صياغته في كافة اللغات ليصبح "أم الله Μήτηρ του Θεού".
هذا المصطلح يظهر أول مرة في آباء ما قبل نيقية الذين كتبوا في القرن الرابع[5] كلقب للسيدة العذراء القديسة مريم، ربما استخدمه كل من أوريجانوس[6]، وديونيسيوس الأريوباغي في رسالة له إلي بولس الساموساطي[7] لكن هذا النص ربما لا يكون نصاً أصلياً لديونيسيوس، ثيؤدريت في تقليده الرسولي (436م)[8]، أيضاً تشير يعض المراجع ان هيبوليتوس السكندري ربما إستخدم هذا المصطلح[9]، كما أن كل من غريغوريوس أسقف نيصص و يوستاسيوس الأنطاكي أستخدموه[10]، أما غريغوريوس النيزنزي فأعتبره جزء من الإيمان الأرثوكسي[11].
لكن تحديده كمصطلح رسمي كان في مجمع أفسس عام 431م رداً على إنكار نسطور ومهاجمته لهذا التعبير[12].
لكن أقدم مصدر لدينا لهذا المصطلح هو مخطوط سكندري من القرن الثالث (حوالي 250م)[13] معروف بإسم Sub tuum Praesidium، وهو يحوي نص ليتورجي مستخدم حتى الآن في الكنائس القبطية والبيزنطية والرومانية. المخطوط مكتوب باليونانية ونصه:
Ὑπὸ τὴν σὴν εὐσπλαγχνίαν, καταφεύγομεν, Θεοτόκε. Τὰς ἡμῶν ἱκεσίας, μὴ παρίδῃς ἐν περιστάσει, ἀλλ᾽ ἐκ κινδύνων λύτρωσαι ἡμᾶς, μόνη Ἁγνή, μόνη εὐλογημένη.
تحت رحمتك، نحن نلتجأ يا أم الله، لا تتغاضي عن طلباتنا في وقت الضيق، لكن إنقذينا من الأخطار، [أيتها] الوحيدة الطاهرة والوحيدة المباركة.
لاهوت المصطلح:
لايشير تعبير "والدة الإله Θεοτόκος" بكل تأكيد إلي مفهوم ولادة أو أمومة أزلي، لكن يشير إلي ولادة زمنية لله المتجسد، فهو تعبير للتأكيد على أن يسوع المسيح هو الإله الكامل وفي ذات الوقت إبن مريم العذراء الإنسان الكامل.
المشكلة التاريخية:
بدأت المشكلة حول تعبير "والدة الإله" عندما إعترض نسطور عليه وقال إن السيدة العذراء يجب أن يطلق عليها لقب "والدة (حاملة) يسوع Christotokos χριστοτοκος" إذ يقول:" حينما تَتكلّمُ الكتب المقدّسة عن أعمال (فاعلية) ربنا، فهي لا تتكلم أبداً عن ولادة أو آلام اللاهوت، لكن عن إنسانية السيد المسيح. لهذا فالطريق الأكثر دقّةً للكلام حول العذراء المقدّسة هو حاملة السيد المسيح، وليس حاملة الله"[14]، وجادل العديد من الرهبان تحت تأثير نسطور أنه لايجب إطلاق لقب ثيؤتوكوس على العذراء مريم نظراً لأنه لم يُذكر في الكتاب المقدس ولا في قانون إيمان مجمع نيقية[15]، لكن كيرلس السكندري أكد أن أثناسيوس أستخدم هذا التعبير وأنه موجود في تقاليد الآباء[16]، وبإستخدام الكتاب المقدس وشروحات آباء نيقية أكد كيرلس أن السيدة العذراء ولدت من هو بالحقيقة الله بطبيعته لذا فهي قد إستحقت لقب والدة الإله[17].
كان الهدف من تثبيت كيرلس ومجمع أفسس هذا التعبير هو التأكيد على لاهوت المسيح الكامل في مواجهة نسطور الذي إنتقص من هذا اللاهوت. هذا التعبير شمل لاهوت نيقية بطريقتين أَكّدَ لاهوت السيد المسيح بصورة مطلقة، وضمّنَ الحقائق اللاهوتية للتدبير الإلهي οικονομια، شاملاً بذلك السقوط، التجسد، والقيامة[18].
إعادة التقييم:
كان الهدف كما ذكرنا لتعبير "والدة الإله الثيؤتوكوس Θεοτόκος" هو التأكيد على إلوهية السيد المسيح وأنه في الوقت الذي هو فيه إنسان كامل هو أيضاً في ذات الوقت إله كامل، وأن السيدة العذراء هي والدة الإله في تجسده أي هي والدة المسيح الكلمة المتجسد.
إذاً من هذا المنطلق نحن نقول أن تعبير " والدة الإله المتجسد θεάνθρωποτοκος"[19] هو الأدق، فهو يؤسس لكريستولوجيا أكثر صحة دقة، فهي لم تحمل الله بالمعنى المطلق لكنها حملت الله في تجسده، فهو يتجنب المعنى الأزلي لحرفية تعبير "ثيؤتوكوس" ويتجاوزه للمعنى الذي قصده بالفعل القديس كيرلس والأباء ، ويتجنب أيضاً التعبير النسطوري "كرسيتوتوكس" الذي يلغي إلوهية المسيح.
التعبير يتكون من ثلاثة أجزاء θεο= الله، ανθροπος= إنسان، و τοκος= حاملة لتكون ترجمته الحرفية: حاملة الإله المتجسد (الإله الإنسان).
المقترح:
هو الإنتقال المصطلح اللفظي "ثيؤتوكوس: حاملة (والدة) الإله Θεοτόκος" للتعبير الأكثر دقة عن المضمون اللاهوتي وهو "ثيوانثربوتوكوس: حاملة الإله المتجسد θεάνθρωποτοκος".
نحن بهذا لا ننتقص من فكر الآباء (راجع مقدمة هذه الدراسة) بل نتطور مثلما تطوروا هم وإنتقلوا بالتعبيرات اللاهوتية من مرحلة لأخرى[20] لنصيغ تعبيراً أكثر دقة كإمتداد لما فعله آباء الكنيسة الأولى ونقدم دورنا كشركاء لهم في حفظ الإيمان القويم.
[1] Alexander Schmemann, For the Life of the World, St. Vladimir’s Seminary Press 1997, p.146
ملحوظة: كل نصوص الترجمة العربية لألكسندر شميمن المقتبسة في هذه الدراسة هي من ترجمة لم تنشر بعد للدكتور جرجس كامل يوسف
[2] Ibid, p.146
[3] David W. Bercot, A Dictionary of Early Christian Beliefs, Hendricson 2008, p. 644: Theotokos
[4] Wikipedia, the free encyclopedia, Sept. 2009 : Theotokos
[5] David W, Bercot, p. 644, also refer to Disputation of Archelaus and Manes and Alexander of Alexandria
[6] Socrates, Ecclesiastical History 7.32 citing Origen's Commentary on Romans
[7] Wikipedia: Theotokos
[8] Wikipedia: Theotokos
[9] F.L. Cross, The Oxford Dictionary of the Christian Church, Oxford University Press 1997, p. 1608: Theotokos
[10] The Catholic Encyclopedia, second Edition, Thomson and Gale , MI 2003, Vol. 13, p. 937: Theotokos
[11] Letter 101; Patrologia Graeca, ed J. P. MIGNE, 37:177
[13] هناك مخطوطات أخرى لاتينية وسلوفانية وقبطية لكنها لا ترجع لنفس الفترة القديمة، ويمكن الوصول لنص المخطوط وصورته على:
[14] Letter to Cyril 2.11, cited in: The Catholic Encyclopedia,Vol. 13, p. 936: Theotokos
[15] Susan Wessel, Cyril of Alexandria and the Nestorian controversy, Oxford Early Christian Studies, Oxford University Press, NY 2004, p. 79
[16] Susan Wessel, Cyril of Alexandria, p.79
[20] مثلما طور الأباء مصطلحي اٌقنوم prospon والجوهر ousia ليصيرا تعبيرين عن معنيين مختلفين بعد أن كانا يستخدمان بالتبادل كتعبير عن معنى واحد حتى زمن القديس أثناسيوس
هذه الدراسة في غاية من الأهمية فمصطلح "الثيؤتوكس" بقدر ما نفهم تماما كأرثوذكس بقدر ما هو غير مفهوم على مستوى العالم المسيحي غير النسطوري. فمجرد أن تذكحر العبارة حتى تسمع الكثير من الاعتراض والرفض مع أنه المصطلح صحيح تماما حسب فهمنا اللاهوتي له. الاعتراض يتلخص ببساطة في أنه لا يمكن أن نقول أن السيدة العذراء هي حاملة (والدة) الله الآب ولا الروح القدس. فقولنا والدة الإله يعطي انطباعا سريعا أنها والدة الثالوث الأقدس، بينما المقصود الفعلي أنها والدة الإله المتجسد الواحد من الثالوث.
ردحذفشكرا على هده الدراسة الهامة مثل الدراسات السابقة
اشكرك كثيرا واصبت فيما قلت
ردحذفFor the readers of the above article,
ردحذف#1 we are not more clever than the Church Fathers like St. Athanasius and St. Cyril, especially since the Greek language for them was their main language. So they studied all the terminologies very well.
#2 This is not a new argument, but actually it is a very old argument that came from a group of Arians in the time of St. Athanasius. He clearly answered them in his letter to Adelphius: "These things then happened, and no one doubted, as the Arians now venture to doubt, whether one is to believe the incarnate Word; but even from beholding the man, they recognised that He was their maker, and when they heard a human voice, they did not, because it was human, say that the Word was a creature. On the contrary, they trembled, and recognised nothing less than that it was being uttered from a holy Temple. How then can the impious fail to fear lest ‘as they refused to have God in their knowledge, they may be given up to a reprobate mind, to do those things which are not fitting? For Creation does not worship a creature. Nor again did she on account of His Flesh refuse to worship her Lord. But she beheld her maker in the Body, and ‘in the Name of Jesus every knee’ bowed, yea and ‘shall bow, of things in heaven and things on earth and things under the earth, and every tongue shall confess,’ whether the Arians approve or no, ‘that Jesus is Lord, to the Glory of God the Father (Phil. ii. 10, 11).’ For the Flesh did not diminish the glory of the Word; far be the thought: on the contrary, it was glorified by Him. Nor, because the Son that was in the form of God took upon Him the form of a servant (vv. 6, 7) was He deprived of His Godhead. On the contrary, He is thus become the Deliverer of all flesh and of all creation. And if God sent His Son brought forth from a woman, the fact causes us no shame but contrariwise glory and great grace." #3 The term "Theotokos" was not a recent argument. So I wonder where this author got the idea that we need to replace this term with another term.
#4 The letter to Adelphius was translated into Arabic by Dr. Noshy Abdelsheheed at the Patristic Center if you want to read it in Arabic.
#5 Sometimes we feel that we are facing new arguments from the others. But in fact these arguments are old and have been before by the Alexandrian Fathers.
#6 What the church used from terminologies like Theotokos should be kept forever used as it is a result of many councils and many efforts of fathers who shed their blood for the Orthodox faith.
@ Father Bishoy .. St. Cyril's language was not greek but he wrote his letters to Nestorius in Greek This is why his letters were misinterpreted and he was accused of being a Monophysite.
ردحذفAnd actually if you went back to his 13 Anathemas against Nestorius you will find a clear Appolinarian and Arian doctrines
Second thing Cyril himself was about to come to an agreement 433 but he died before the final agreement got signed. What is significant that he was convinced to withdraw all the anathemas but he insisted on keeping Nestourius in the exile. However if we aproached Christotokos not from a Nestorian point of view we might find it more appropriate. We do not separate but we distinct .. this is what happened in Chalcedonia 451.
Finally We have to question if Nestorius was a Nestorian or not cause obviously after Leo's Tome Nestorius wrote in his diaries that he was content and that this was his belief.
Refer to Early Christian Doctrines for JND kelly and Christological
Controversy For R. A. Norris.
جميل البحث واوافقك تماما لكن المشكله ان الكنيسه القبطيه تتمسك بالمصطلحات الابائيه بشده بالطريقه الى قال عنها شميمن وترفض اى مناقشه او تعديل وللاسف ليس للبحاثه مكانه فيها بل للهواه ودليلى هو كلمه ( اقنوم) التى كانت مفهومه فى عصرها اما الان فلا احد يفهمها حتى من الاكليروس وعلى اعلى مستوى وهذا يفسر الصمت عن الكلام عن الثالوث فى التعليم والتمسك بشروحات العصور الوسيطه العقيمه التى تستند على علم الكلام الاسلامى مع استخدام مصطلحات يونانيه وسريانيه لم تعد مفهومه او مستعمله وهذا يقودنى الى النقطه التاليه وهى : رغبه من كل القلب ان يحركك روح الله لتقدم بحثا عن الثالوث حسبما فهمه الاباء وبحسب الكتاب مع استعمال لغه ومصطلحات ثقافه اليوم علما انى اوافق من قال ان السؤال عن كيف فى الثالوث لم يكن مطروحا عند ابائنا بل كان السؤال المطروح هو عن الثالوث فى حياتنا
ردحذف