التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دراسات للمبتدئين: شرح لآية عبرانيين 7:5: القادر ان يخلصه من الموت

دراسات للمبتدئين: شرح لآية عبرانيين 7:5: القادر ان يخلصه من الموت

"الذي، في أيام جسده، إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه" (عب 7:5)،
تطرح هذه الآية عدة إشكاليات،
الإشكالية الأولى تتعلق بسلوك المسيح بهذه الصورة، كيف يصرخ بالدموع والطلبات من أجل خلاصه من الموت وهو الإله المتجسد كلي القدرة والعظمة؟
الإشكالية الثانية وهي تتعلق بإجابة الله طلبه، فحسب الآية أن الله سمع له أي خلصه من الموت، وإن صح هذا المفهوم فالمسيح لم يمت إذاً.
 (تابع بالأسفل)

لكن هذا النص لا يمكن فهمه دون إستكمال الآيتيين التاليتيين واللتان توضحان مغزي هذه الآية، يتابع كاتب العبرانيين: "مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي" (عب 8:5-9)، نحن أمام عدة كلمات مفتاحية في تلك الآيات الثلاثة: " الذي في أيام جسده- الطاعة- صار للجميع خلاصاً "، هذه الكلمات تنقلنا فوراً لأحد أقوى النصوص الكتابية التي تتعلق بطبيعة تجسد الكلمة وهي (في 6:2-11) التي تُعلمنا إن الله بتأنسه حدَّ من عمل قوته الإلهية كي يأخذ طبيعتنا البشرية ويعطيها هذه الصورة الجديدة: "الذي إذ كان في صورة الله ὃς ἐν μορφῇ Θεοῦ لم يَحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه ἑαυτὸν ἐκένωσεν أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضعَ نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذا رفعه الله وأعطاه إسماً فوق كل إسم"،
هذا "مع أن ملئ الله كان فى المسيح وبالتأكيد كان المسيح هو الله الظاهر في الجسد، إلا أن وجود الله غير المحدود وعلمه غير المحدود كانا كامنين latent في يسوع المسيح، لأن الله كان يختبر ما نختبره كبشر من محدودية"[1].
وبإختصار اللغة التي أمامنا في (في 6:2-11) "εταπεινωσεν" تعني حرفياً "فرّغَ نفسه emptied himself;neutralize"[2]، أي تدل أنه "وضع جانباً كل ما كان يُعبّر عن ألوهيته، كل المجد الذي تشتمله عبارة: كان في صورة الله"[3] أي "صورة العبد مقابل صورة الإله"[4] وهو تغيير في الحالة state وليس الطبيعة،فهو بمحض إرادته "إستبدل وجوده المسبق وسماته الإلهية بحياة بشرية عادية علي الأرض"[5]، ويؤكد على هذه الحقيقة القديس كيرلس الإسكندري في تفسيره لإنجيل يوحنا: "إن الإخلاء النظري المعنوي من جهة المسيح لم يكن كافياً كي نُدعى نحن أقرباؤه συγγενις، بل كان لابد أن يشترك بطريقة فعلية في لحمنا ودمنا ويَعبُر مثلنا كل شيء"[6].
هذا هو سر صراخ المسيح ودموعه وطلباته وتضرعاته لله الآب.

النقطة الثانية وهي المتعلقة بخلاص المسيح من الموت: " للقادر أن يخلصـ(ـه αὐτὸν)  من ἐκ الموت، وسمع له من أجل تقواه"
-       هناك كلمتان في اللغة اليونانية تحملان معني "من"[7]، الأولي هي απο والثانية هي ἐκ، απο تعني من على شفير او من على حافة وهي الكلمة التي لو كان كاتب العبرانيين قد إستخدمها كانت قد عنت أن الله أنقذ المسيح قبل أن يدركه الموت (قبل أن يموت)[8]. لكن الكاتب بوحي الروح القدس إستخدم ἐκ وهي تعني أصلاً الخروج من ضمن شئ ما[9] أو من داخل شئ ما[10]، كانت صلاة المسيح إذاً ليس للهروب من الموت بل للخروج من جوف الموت، العودة منه... أي: القيامة.
-       يخلصـ(ـه αὐτὸν) لم يكن المسيح يصلي لإنتصاره وخروجه وحده أيضاً من الموت بل نحن أيضاً معه المتحدون بجسده الذين صلبنا ومتنا معه، يقول آدم كلارك أن αὐτὸν يمكن فهمها كإشارة للبشرية كلها وليس ليسوع وحده، كمشاركين له في اللحم والدم (عب 14:2)[11].



[1] Jason Dulle, How could Jesus be anointed by God if he's God, 2007 (electronic version)
[2] James Strong, Strong's exhaustive concordance, 1980 (electronic version)
[3] Albert Barne's Notes on the Bible (electronic version)
[4] Marvin R. Vincent, Vincent's Word Studies, NY,1886 (electronic version)
[5] فيرلين د.فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد، لوجوس، القاهرة 2007
[6] رهبان دير أبو مقار، وجودنا وكياننا في المسيح في فكر القديس كيرلس الكبير، دار مجلة مرقس 1994 ص65
[7] Kenneth S. Wuest, Wuest's Word Studies, Vol. 1 (electronic version ,E-sword Module)
[8]  Ibid.,
[9] فيرلين د.فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد،
[10] Wuest's Word Studies, Vol. 1
[11]  Adam Clarke's Commentary on the Bible (electronic version ,E-sword Module)

تعليقات

  1. الخلاصه ان النقطه المفصليه لفهم الآيه هى حرف الجر ἐκ والذى ليس معناه "من" ولكن من "داخل" وعلى هذا تكون القراءه الصحيحه للآيه للقادر ان يخلصه من داخل الموت اى يقيمه من الموت وليس ينجيه من الموت وهذا ما يوضحه باقى الآيه اذ يقول: وسمع له من اجل تقواه ...اى انه اقيم من الموت بسبب بره ..وهذا يعززه قول القديس بطرس: قام ناقضا اوجاع الموت اذ لم يكن ممكنا ان يمسك منه.... لماذا لأن الموت له سلطان على الخطاه فقط لأنه أجره الخطيه ... اذا البار لا يمسك من الموت بل ينقذ من داخله و يسمع له من اجل تقواه

    ردحذف
  2. وجدت هذه المدونة من خلال الفيسبوك وأعجبتنى طريقة عرض الموضوعات
    وبالنسبة للآية السابقة فأنا أشعر أن بها مغالطة لغوية من المشككين فى الايمان المسيحى
    إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه .... وللتوضيح فالسيد المسيح قدم طلبات وتضرعات ولكى نفهم الآية يجب أن نعرف لمن قدمها ولماذا؟
    هل قدم المسيح هذه التضرعات لكى يخلصه الآب من الموت؟
    لاحظ الفرق بين جملتين:
    قدم تضرعات للقادر لكى يخلصه من الموت
    قدم تضرعات للقادر أن يخلصه من الموت
    لو كانت الجملة الاولى لكان المعنى كما يقصده المتشككون
    لكن الجملة الثانية وهى التى ذكرها الرسول بولس لا تعنى أن المسيح قدم تضرعات لكى يتخلص من الموت لكنها قدمها لمن هو قادر أن يخلص من الموت
    اذن لغويا جملة "القادر أن يخلص" هى صفة لله وليست فعل مطلوب أن يتمم
    وستجد أن الجملة واضحة جدا فى اللغة الانجليزية
    offered up prayers and supplications, with loud cries and tears, to him who was able to save him from death
    لاحظ الصفة
    "who was able to save him"
    لم يقل
    "in order to save him"

    لكن لماذا قدم السيد المسيح له المجد هذه التضرعات؟
    هى التضرعات والدموع التى قدمها على الصليب من أجل خلاصنا وقد قبلها الآب

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الإعتراف السري على يد الكاهن: دراسة تاريخية

الاعتراف السرى للكاهن Auricular Confession دراسة تاريخية قصيرة مقدمة: لماذا هذا النوع من الدراسات؟! قدمت من قبل دراسة خاصة بصوم العذراء من خلال تتبعه تاريخياً، وهذه هي الدراسة الثانية حول الإعتراف على يد الكاهن (وهو جزء من سر التوبة والإعتراف). الهدف من هذه الدراسات ليس إثبات أو نفي هذه العقائد والممارسات، لكنه محاولة لتأصيلها بقدر الإمكان. نحن نعاني في الكنيسة القبطية الإرثوذكسية من غياب التأصيل، أقصد ب التأصيل : القدرة على تتبع عقيدة أو ممارسة ما حتى نصل إلي جذورها في الكتاب المقدس والكنيسة الأولى، حتى تكون مبنية على أساس سليم وبالتالي نستطيع أن نضع لها دفاعاً قوياً تجاة المشككين. ماهو الإعتراف السري؟ "هو إقرار الخاطئ بخطاياه (تفصيلياً) أمام كاهن الله ، إقراراً مصحوباً بالندامة والأسف الشديد على ما فعله من شرور... و نيل الحل من رجل الله " [1] ، هذه الممارسة الخاصة عموماً بأسرار الكنيسة السبعة قد "مُورست منذا عهد الرسل" [2] .  (تابع بالأسفل)

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.