التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل كان يسوع قابلاً لأن يُخطئ؟!

هل كان يسوع قابلاً لأن يُخطئ؟!
كاتب زائر: عماد عاطف
د. أوسم وصفي فتح موضوع معقد شويه و محتاج إجابة، "هل يسوع المسيح كان قابل للخطأ؟."
لكن محتاجين نعيد صياغة السؤال عشان يتفهم صح: هل يسوع كان قدامة إختيارين فعلا و لا هو مكانش قدامه غير إختيار واحد؟!
الموضوع فعلاً صعب و فيه آباء كنيسة و لاهوتيين معاصرين من كنائس كثيرة إختلفوا عليه و اللاهوتيين اللي من نفس وجهة النظر إختلفوا في الأسباب بصورة كبيرة. و برضو ده موضوع فرضي/إفتراضي، يعني فعلياً يسوع انتصر و تغلب على كل التجارب اللي خاضها، و هنا نيجي للفرق بين اللاهوت العقيدي اللي لازم كل مسيحي يؤمن به، و اللي بنلاقيه مثلاً في قانون الإيمان، و بين"بحث أو تفكير لاهوتي" اللي بيبقى فيه سماح للإختلاف و وجهات النظر المختلفة. يعني وجهات النظر مش معناها إن واحد مهرطق و الثاني مسيحي. دي وجهات النظر و مقبول فيها الإختلاف، بس أعتقد أهم حاجة تكون مبنيه على بحث في العهد الجديد و اللاهوتيين القدماء و المعاصرين.

بس قبل لما نبدأ فيه حقائق أعتقد دي دي لازم نتفق عليها قبل لما نناقش أي حاجة، عشان منفضلش نناقش أمور فرعية، أو بديهيات في اللاهوت المسيحي:
١- المسيح إله كامل و إنسان كامل، شخص واحد، الطبيعتين متحدتين بغير إختلاط و لا إمتزاج و لا تغيير(القداس الإلهي)، و نضيف برضو عشان التوضيح "بلا تحول"،
٢- المسيح شخص واحد، بالبلدي له "أنا" واحدة، مفيهوش إنقسام، إله متجسد، كلمة الله صار إنساناً بالحقيقة، بتعبير الكنيسة الطبيعتين متحدين "إتحاد أقنومي"، يعني الطبيعتين متحدتين بشكل حقيقي و مطلق و بيرجعوا لشخص واحد هو كلمة الله، ابن الله الوحيد الجنس،
٣- ق. كيرلس قال إننا لما نفرق بين طبيعة يسوع الإلهية و طبيعة يسوع الإنسانية بنفرق بينهم بالذهن فقط، يعني بالبلدي بنفرق بينهم عشان نفهم سر التجسد لكن فعلياً الأثنين متحدين ببعض، لكن كلامنا لازم يركز على ان ابن الله، الكلمة الأزلي تجسد و أخذ طبيعة جسدية خاصه به، يسوع المسيح هو واحد بحسب تعبير ق. كيرلس،
٤- ق. ديونوسيوس الأريوباغي -المنحول- قال عبارة في غاية الروعة -بعتذر بكتبها من الذاكرة مش نصاً- قال "المسيح بيعمل أعمال الناسوت إلهياً، و بيعمل أعمال اللاهوت إنسانياً"، يعني بالبلدي مين اللي أكل/ شرب/ بكى/ ذاق الموت؟ يسوع المسيح الكلمة المتجسد، الإله الحقيقي و الإنسان الحقيقي. مينفعش نقسم المسيح خالص، ينفع فقط نمايز بين الطبيعتين الإلهية و الإنسانية ذهنياً فقط، لكن فعلياً هو شخص واحد، الله المتجسد، الله الذي صار إنساناً،
٥- تجارب المسيح حقيقية مش "مجرد" تعليم أو مثال، جانب منها "تعليمي" و هو إزاي ننتصر، و جانب منها "مثال" و هو إزاي نتمثل به، لكن تجارب حقيقية خاضها "الإله المتجسد" عشان ينتصر لينا و بينا، المسيح إنتصر فيها بصفته آدم الثاني، في نص فيلبي ق. بولس بيقول "أطاع حتى الموت موت الصليب". فالمسيح بصفته آدم الثاني نجح في ما فشل فيه آدم، آدم سقط في خطية عدم طاعة الله و يسوع إنتصر و أطاع الله حتى الموت، موت الصليب (فيلبي ٢: ٦-١١)، المسيح أخذ الذي لنا عشان يعطينا الذي له، أخذ جسدنا و أعطانا روحه القدوس، المسيح هو النائب اللي نجح في طاعة الله الآب، بدل آدم و البشرية اللي بيفشلوا كل يوم،
٦- يسوع المسيح أخذ الروح القدس في يوم معموديته في نهر الأردن، طبعاً كلمة الله المتجسد ازلي و روح الله ازلي معاه، لكن في تجسده أخذ الروح القدس كنائب للبشرية، أخذه كأخ بكر بين اخوته، أعضاء جسده، أخذ الروح القدس نائبا و ممثلا عن كنيسته عشان بعد كده يعطيها سكنى الروح القدس، صار آدم الثاني اللي حياته كلها في مصالحة و توافق تام و مطلق مع روح الله، إحنا كمسيحيين بناخذ الروح القدس لكن أحياناً بنسمع كلام الروح القدس و بنبقى في توافق معاه و أحياناً لأ، يسوع المسيح كان في توافق تام و مطلق مع روح الله القدوس، و بيدعونا إننا نتشبه به -طبعاً بشكل نسبي- على قدر طاقتنا. التشبه به عن طريق طاعة الروح القدس و التجاوب معاه، لأنه روح الله القدوس اللي بيعلمنا كل شيء و بيذكرنا بكلام يسوع المسيح،
٧- المسيح إنسان حقيقي، مش تمثيل، جاع و هو اللي بيشبع الكل بس جاع بجد، تألم بجد، بكى بجد، صلى بجد مش عن إحتياج لكن عن حب لله الآب أبوه، إنجيل لوقا بيقول "تقدم في الحكمة و القامة و النعمة"، يعني كان بيتعلم بجد، بيكبر، بينمو، عاش حياة إنسانية و حقق الإنسانية كما يجب أن تكون، تجسد عشان يقدس حياتنا كلها. هدفه أنه يقدس حياتنا بكل ضعافاتنا و بكل مراحلها و يقدمها لله الآب كنائب لنا. ق.غريغوريوس النزينزي قال قاعدة مهمة " ما لا يُؤخذ لا يُخَلص"، يعني اللي المسيح أخذه أخذه عشان يخلصه، أخذ الجسد عشان يخصله، أخذ الروح عشان يخلصها، أخذ مشاعرنا عشان يخلصها. ق.كيرلس بيقول "لم يكن ممكناً أن يبطل الموت إلا فقط بموت المخلص. و هكذا أيضاً بالنسبة لكل واحدة من انفعالات أو آلام الجسد ... فإن ما لا يؤخذ لا يُخَلص"،
٨- يسوع المسيح لم يفعل خطية خالص، بار، العهد الجديد مليان سواء شهادة يسوع عن ذاته أو كلام كتاب العهد الجديد، آباء الكنيسة و اللاهوتيين المعاصريين متفقين على ده، ق. كيرلس بيقول"لم يكن تحت نير الخطية بل كان فوق كل معرفة للإثم و ذلك لأنه كان هو بعينه في نفس الوقت إنسانياً و إلهياً"، اللاهوتيين اللي شايفين إن يسوع غير قابل للخطية و اللي عكسهم شايفين أنه كان قابل للخطية الإثنين بيأكدوا على حقيقة واحدة، و هي إن المسيح لم يفعل خطية، بار و كامل، هو الإنسان الحقيقي، أو هو الصورة الحقيقية للإنسانية الكاملة، هو حقق المثال اللي المفروض نعيشه
نيجي للسؤال هل يسوع كان ممكن يعمل خطية؟
خلينا نأخذ تجربته على الجبل كمثال. فيه إتجاهين رئيسيتين في التفسير و فيه إتجاه ثالث بس ده مش سائد زي الأثنين الأولين. قبل لما نقولهم لازم نأكد على حقيقة مهمة جداً جداً كل الإتجاهات التفسيرية مؤمنة بيها و هي أن يسوع بار و لم يفعل خطية في حياته، يسوع كانت حياته كلها "حاضر" لله الآب.
الإتجاه الأول بيقول، إن المسيح لا يمكن أن يفعل خطية، ليه؟ عشان الفاعل هو الله الكلمة المتجسد و لا يمكن أن يكون أمام إختيار غير الصح. ببساطة الشخص هو اللي بيرتكب خطية مش الطبيعة، فحتى لو ابن الله صار إنسانا، فالله هو الشخص و المحرك. طيب بتفسر التجربة إزاي؟ بتقول إن التجربة اللي اتجربها المسيح حقيقية مش تمثيل، الخطية هي عدم كمال الإنسانية و بكده فيسوع إستحالة يكون دخل في إختيارين. ببساطة التفسير ده بيركز على شخص الكلمة المتجسد و أنه الفاعل في التجسد و بتبعد عنه أي إحتمالية للخطية لأنه الله، و الحجة دي أنا شايف إنها مش ضعيفة بالعكس ليها منطق، بس عيبها الرئيسي هي ممكن بتقلل من الحقيقة الإنسانية في التجسد،
الإتجاه الثاني بيقول، إن المسيح بصفته إنسان كان قدامه إختيارين حقيقيين، أنه يخطئ أو لا يخطيء، ببساطة التحربة اللي اتجربها يسوع المسيح مش هتكون حقيقية غير لما يكون قدام يسوع إختيارين، إما طاعة الله أو لا، لأن لو كان يسوع قدامه إختيار واحد تبقى تمثيلية، و يكون التشبه بالمسيح ملهوش معنى، لكن يسوع المسيح بصفته آدم الثاني تجاوب مع الروح القدس و بكده نقدر نتشبه به إننا نتجاوب و نطيع الروح القدس اللي بنحصل عليه في الكنيسة، ببساطة التفسير ده بيركز على إن التجربة حقيقية و إن يسوع المسيح إنسان حقيقي و أنه خاض التجربة بشكل حقيقي، أخذ إرادتنا عشان يقدسها في شخصه،
الإتجاه الثالث بيحاول يوفق بين المدرستين، بيقول إن المسيح غير قابل للخطية و قابل للخطية، إزاي؟ ببساطة التجسد بيقول ثلاث حقائق، الإتحاد الأقنومي بين الطبيعتين، فالشخص الفاعل هو كلمة الله (زي النظرية الأولى) و بالتالي فهو غير قابل للخطية، الحقيقة التانية هي الإخلاء، كلمة الله أخلى ذاته بتجسده، لم يستغل لاهوته لمصلحته الشخصية، قبل العطش و الجرع و الحزن و البكاء و الضغط النفسي و الموت. كل ده قبله كلمة الله لما اتخذ إنسانية كاملة، و بكده فالمسيح نظرياً قابل للخطية (زي النظرية الثانية) لكنه طبعا إنتصر عليها. الحقيقة الأخيرة هي إن المسيحية بتنادي بعقائد بتتحدى المنطق البشري، يعني إيه الله في تجسده يجوع و هو خالق كل الثمار و النباتات و الأكل ؟! معرفش! التجسد سر. يعني إيه الله في تجسده يعطش و هو اللي بيعطي الشرب للخليقة ؟! معرفش! التجسد سر، يعني إيه الله في تجسده يقول معرفش اليوم و الساعة و في نفس الوقت يعرف اليوم و الساعة؟! معرفش! التجسد سر. نفس المنطق إزاي يكون غير قابل للخطية و قابل للخطية في نفس الوقت (طبعاً المسيح معملش أي خطية) ؟! معرفش! التجسد سر. ببساطة المدرسة الثالثة بتحاول تدمج الفكرتين مع بعض بناءً على سر التجسد و الإخلاء و المفارقة اللي بنلاقيها في التجسد إله/ إنسان، عطش/ يعطي ماء حي، يجوع/ يُشبع الآلاف ... إلخ
دي الثلاث مدارس، آخر مدرسة مش مقتنع بيها أوي بس حل مش وحش، المدرسة الأولى ليها مؤيدين أكثر من اللاهوتيين القدماء و اللاهوتيين المعاصرين، المدرسة الثانية ليها مؤيدين من اللاهوتيين المعاصرين أكثر. أنا الصراحة لسه بكون وجهة نظر معنديش تصور كامل و متكامل، لسه بحاول أفهم الموضوع، ممكن بكون بميل للتفسير الثاني و هو إن كلمة الله لما تجسد أخذ إنسانيتنا عشان يعالجها، عشان يحيها في ذاته، فكلمة الله أخذ إنسانيتنا عشان يخلصها و بكده أخذ إرادتنا و خلاها من خلاله تطيع الله الآب، يعني كان قدامه إختيارين و هو كآدم الثاني إختار الله كممثل لنا و نجح لينا و بينا. لكن زي ما بقول لسه محتاج أقرأ أكثر عشان أعرف أكون وجهة نظر متكاملة أكثر. أنا لخصت قشور عن الموضوع، الموضوع فيه شغل و إسهام من لاهوتيين قدماء/ معاصرين كثير، فيه حجج كثير من الطرفين، أنا شايف إن الحوار لازم نضبط المقدمات و الأرضية المشتركة الأول و بعدين نحدد نقط الخلاف، و شايف إن فيه بعض النقاط أو الحجج ممكن يكون فيها مشاكل، مش المهم النتيجة، الأهم بتوصل للنتيجة ازاي. زي ما قلت مفيش في الموضوع ده أبيض و أسود، فيه وجهات نظر، و نقاش، و حوار صحي.
#إنسانية_يسوع

تعليقات

  1. موضوع مهم وجميل جدا
    أعتقد إن الاتجاه الثاني هو الاتجاه الصحيح وهو يتفق تماما مع الفكر الخريستولوجي للقديس كيرلس الكبير... الفكر المعاصر يرفضه بسبب الجهل اللاهوتي الشائع بين الأقباط اليوم
    تحياتي ومحبتي لشخصك العزيز

    ردحذف
  2. 🌹✌🏼💐🌺🌻🌼🍁🌈

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.