التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جوج وماجوج: دراسة من النصوص الكتابية، اليهودية، الاساطير السريانية، وغيرها

"جوج وماجوج"
(دراسة سريعة من النصوص الكتابية، اليهودية، الأساطير السريانية، وغيرها)

"الشر: وجهة نظر!"
Anne Rice, Interview with the Vampire
مقدمة
يعتبر جوج وماجوج احد اشهر الاسماء الكتابية على الاطلاق، بل اكثرها اثارة للجدل. وبالقدر الذي يلف به الغموض هويتهما، هما ايضا يمثلان نقطة حرجة في الاخرويات المسيحية فمعركة هرمجدون التي سيخوضها جوج وماجوج هى النقطة الفاصلة قبل مجئ المسيا الختامي
ولسبب ما -ربما هو الدور الاخروي- عُرفت جوج وماجوج خارج المصادر الكتابية ووجدت تلك الاسماء طريقها الي داخل الاساطير الرومانسية[1] للاسكندر الاكبر ربما منذ زمن الاسكندر ذاته وانتشر تاثيرها في اسيا حتى وصلت للقران، وهكذا اصبح جوج وماجوج جزءا من حكايات الرحالة ودوائر المثقفين لقرون في العالم القديم

هل يمكن ان نصل الي الحقيقة مع كل هذا؟
اعتقد ان الحل ربما يكمن في تحليل النصوص الكتابية جنبا الى جنب مع الكتابات الاسطورية والاشارات التلمودية ومحاولة فهم كل منهما في ضوء الاخر فالاسطورة قد نبعت من قلب حقيقة ما والحقيقة قد تطورت الي اسطورة لذلك فقد تحتوي الاسطورة على حقائق اكثر مما نتخيل حقائق ربما حتى لم تذكر في النصوص الكتابية وربما لا نجد شيئا على الاطلاق
  (تابع بالأسفل)

النصوص الكتابية:

اولى الاشارات التى نجدها في نصوص الكتاب المقدس لاسماء جوج وماجوج هى نصوص مقتضبة ومبهمة . على وجه الدقة لدنيا خمسة نصوص كتابية (يختلف الامر كما سنرى بين النص المازوري والسبعيني) وفي معظم هذه النصوص لدينا نفس المشكلة: هل النص يشير الي اماكن اشخاص ام شعوب؟

- اول نص: مرتبط بجوج وماجوج هو تك 2:10 حيث ياتي ذكر ماجوج منفردا كابن ليافث وشقيق لجومر وماداي (التى يمكن اعتبارها مادي) :
" בְּנֵי יֶפֶת--גֹּמֶר וּמָגוֹג, וּמָדַי וְיָוָן וְתֻבָל; וּמֶשֶׁךְ, וְתִירָס"
" بنو يافث: جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس"
 النص هنا دون اية اشارات رؤيوية او رمزية ولا يعطينا تفاصيل اخرى هل هذه اسماء لافراد ام شعوب، ربما التفسير الأكثر منطقية هو إعتبار هذه الأسماء اسماء شعوب، فمن الناحية الانثروبولوجية كانت الامم تسمى على اسماء مؤسسيها القدماء.
لكن اياً كان التفسير المقبول لهوية ماجوج في نص التكوين فهو لايؤثر على الطبيعة الرمزية المفترضة لاسم جوج وماجوج في سفر حزقيال.

- النص الثاني:  وهو تكرار للنص الأول ونجده في (1أخ 5:1): " بنو يافث: جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس"

- النصان الثالث والرابع: في النسخة السبعينية يظهر إسم جوج منفرداً في نصين إضافيين لانجدهما في النص المازوري:
 الموضع الاول في عدد7:24 حيث يظهر اجوج بدل اجاج
النص الماسوري يقرأها هكذا: "אֲגַג"[2] = "أجاج"
النص السبعيني يقرأها هكذا: "Γωγ"[3] = "جوج"

 الموضع الثاني نجده في عاموس 1:7 حيث السبعينية نقرأ إسم جوج الملك بدلاً من تعبير "حصاد الملك":
النص الماسوري يقرأها هكذا: "גִּזֵּי הַמֶּלֶךְ"[4] = "حصاد (جزاز – بحسب الفانديك) الملك"
النص السبعيني يقرأها هكذا: "γωγ o βασιλευ"[5]= "جوج الملك"، وهو النص الذي يحاول العلماء الربط فيه بين جيجز Gyges ملك ليديا.

من هو جيجز ملك ليديا؟
جيجز ملك ليديا –ليديا  تقع غرب اناطوليا في تركيا-  حكم في الفترة بين 680 و652 ق.م. وهو أول ملك لسلالة لـ Mermnad  [6]. لا نعرف عنه الكثير غير الشذرات التي ذكرها عنه في بعض الكتابات التاريخية القديمة، من المرجح أن "جيجز" ليس اسم الملك الفعلي لكنه مجرد لقب يعني "الجد" وهو من الكلمة اللوفية (وهي لغة اناضولية شقية للحثية) :" hûha". سيتم تناول جيجز بشئ من التفصيل بعد قليل[7].

- نصوص حزقيال: حتى الآن لم يظهر إسم جوج في النص المازوري، لكن ظهر في النص السبعيني، بالنسبة لماجوج فالإسم لم يظهر إلا كإسم عابر مبهم دون أي تفاصيل عنه.
أول ذكر للإسمين معاً نجده في سفر حزقيال (حز 2:38): "يا ابن آدم, اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه"،
لاحظ هنا إرتباط ماجوج بماشك وتوبال الذين ذكروا مع الإسم في نصي التكوين وأخبار الأيام كأبناء ليافث وأشقاء لماجوج.
(حز 14:38-23): " ذلك تنبأ يا ابن آدم وقل لجوج: هكذا قال السيد الرب: في ذلك اليوم عند سكنى شعبي إسرائيل آمنين, أفلا تعلم؟. وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرون معك, كلهم راكبون خيلا جماعة عظيمة وجيش كثير. وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابة تغشي الأرض. في الأيام الأخيرة يكون. وآتي بك على أرضي لتعرفني الأمم, حين أتقدس فيك أمام أعينهم يا جوج.... ويكون في ذلك اليوم, يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل يقول السيد الرب, أن غضبي يصعد في أنفي"
 النص هنا كالنص السابق يوحي لنا أن جوج هو ملك (شخص).

(حز 1:39-2): " وأنت يا ابن آدم تنبأ على جوج وقل: هكذا قال السيد الرب: هئنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال. وأردك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشمال وآتي بك على جبال إسرائيل".

تحليل:
 نستقي عدة معلومات من النصوص السابقة:
- جوج هو شخص وهو ملك (رئيس) لماجوج وروش وماشك وتوبال.
 - جوج سيأتي من أقاصي الشمال.

جزء من تحديد ماهية جوج وأرضه ماجوج هو تحديد الأماكن المحيطة والمذكورة في النص: روش، ماشك، وتوبال.
- المناطق المحيطة المذكورة في النصوص السابقة:
لتحديد مواقع روش، توبال، جومر وباقي المملك الشمالية المذكورة في تك 10، وحز 38 و39، علينا أن ندرس كل الإحتمالات الممكنة للإسماء المشابهة والتي ذكرت في المصادر القديمة سواء تلك المعاصرة لحزقيال أو التي قبله.
بالطبع المجال لا يتسع هنا لكي نخضع تلك الإحتمالات العديدة للفحص والتحليل، لكن يمكن الرجوع لدراسة وافية حول تلك النقطة في:
John Mark Ruthven & Ihab Griess, The prophecy that is Shaping History: New Research on Ezekiel’s Vision of the End, Xulon Press, FL 2003
على وجه العموم هناك إشارات كثيرة في النصوص المصرية والأوجاريتية واليونانية والأشورية والبابلية إلي أماكن تحمل أسماء قريبة جداً من تلك الأسماء المذكورة في النصوص الكتابية، تلك الإحتمالات المتعددة يمكن رؤيتها على تلك الخريطة[8]:


تحليل:
يبدو أن أكثر المناطق المرجحة هي تلك التي في آسيا الصغرى (المنطقة داخل الدائرة على الخريطة)، أولاً لأنها أكثر منطقة تجمع بين إحتمالات لكل المدن المذكورة، ثانياً إذا اخذنا في الإعتبار المقاربة بين جيجز ملك ليديا (أو جوج gug  كما هو مذكور في الكتابات الأشورية) وبين جوج في الكتاب المقدس.
لكن هناك أمور يجب أخذها في الإعتبار بخصوص جيجز، فقد عاش في القرن السابع قبل الميلاد وكانت نهاية حكمة في حوالي عام 650 ق.م وخلفه إبنه أرديس Ardys [9]، بينما حزقيال عاش في القرن السادس قبل الميلاد (كتب حزقيال سفره حوالي عام 571 ق.م- رج حز17:29) أي بعد جيجز بحوالي قرن أو نصف قرن.
لكن أيضاً من المحتمل أن حزقيال كان يشير لـ"جوج" كرمز للقوة القادة من الشمال لا كإسم حرفي لشخص ما، فقد كون جيجز قوة لا يستهان بها في وقته برغم أننا لا نعرف عنه إلا القليل، لكنه عقد معاهدة تحالف مع مصر مع الفرعون بسمتيك الأول[10] Psammetichus I ، ثم تحالف بعد ذلك مع الأشوريين لمحاربة الجومريون Cimmerians (Κιμμέριοι)[11] (ربما هم سكان جومر)[12]، في النهاية خسر جيجز الحرب بعد عدة إنتصارات عام 644ق.م. وقُتل لكن الجيش الأشوري نجح في دحض الكميريون.


نصوص العهد الجديد:
لا نجد في العهد الجديد غير نص واحد فقط: " ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج τὸν Γὼγ καὶ Μαγώγ، ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر" (رؤ 8:20)
النص يحمل بعد أخروي وهو متعلق أيضاً بالملك الألفي ونهاية الشيطان:
 "مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة. ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج، ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة، فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم.وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب. وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد الآبدين." (رؤ 6:20-10)

النص هنا مع انه يشير إلي حزقيال 38و39 لكنه في الواقع ليساً نصاً متوازياً أو نص يقدم شرحاً لحزقيال[13]، فبالنسبة ليوحنا فإن "جوج وماجوج" ماهو إلا طريقة مختلفة للتعبير والإشارة إلي جيوش الشر، إذ أن ما في ذهنه الآن هو الهجمة الكبيرة والأخيرة للشرير[14]. من الواضح هنا أن يوحنا يتوقع بوضوح ان القارئ سيفهم هذه الإشارة عندما يدرك النبوة الرئيسية في حزقيال[15].


تحليل وخاتمة:
هل كان "جيجز" بهذه الدرجة من الشر لكي يستخدمه كل من سفري حزقيال والرؤيا كرمز للشر القادم؟
يُذكر جيجز في أربعة مصادر قديمة: جمهورية أفلاطون Rep.II, 359d-360b، المؤرخ اليوناني نيقولاوس الدمشقي (مولود 64ق.م.) Nicolaus of Damascus FGrHist 90F47، وبلوتارخ في المسائل اليونانية Plutarch Mor. 302a [16]، وهيرودوت Histories I [17].
تجمع معظم هذه الروايات ان "جيجز" صعد لسدة الحكم عن تاريخ إغتيال الملك الذي وثق فيه (بأن جعله يرى زوجته عارية) ثم تزوج زوجة الملك[18]، يروي أفلاطون الراوية بصورة مختلفة هي أن "جيجز" أرتكب الزنا مع زوجة الملك ثم إتفقا على قتل الملك وتولى "جيجز" العرش[19].
إحتل جيجز ميلتوس Miletus (أحد مدن أيونيا) وسميرنا، ثم كولوفون Colophon.
ثم شكل "جيجز" قوة أخرى بتحالفة مع الأشوريين ثم المصريين بعد أن كسر حلفه مع الأشوريين كما ذكرنا بالأعلى.
يصفة نيقولاوس الدمشقي أنه: "كان متمكنناً من فنون الحرب... وكان ماهراً تحديداً في إستخدام الأسلحة والخيول"[20]. إستمر في حكمه 38 عاماً بحسب هيرودت[21]، ويشير هيرودت أن "جيجز" كان قد أصبح طاغية[22].
هل هذا يكفي؟ للأسف هذه هي المعلومات الوحيدة المتاحة لنا عن "جيجز" ملك ليديا، ربما لا تبدو هذه الأمور كافية لإعتباره رمزاً للشر لكن أيضاً هناك الكثير الذي نجهله عنه.

يفترض البعض أن أقوال حز38-39 تعكس إنتصارات "جيجز" في الأناضوال لأنها تسميه "رئيس ماشك وتوبال" (حز 2:38، 1:39)، وتعكس معهادته مع مصر حين سميت "كوش وقفط" (حز5:38)، وذكر قتاله مع ابجومريين "وجومر وكل جيشه" (حز 6:38)، ثم موته في ساحة القتال (حز 3:39-5)[23].

بالرغم، هناك عدة أمور تشير أن الأسماء "جوج" و"ماجوج" في نصوص حزقيال والرؤيا لم تكن ذات إشارة حرفية، بل هي رمز للشر الآتي، لاحظ أن شاهدي حزقيال والتكوين يذكرا العديد من الأمم في ذات النص، جوج أيضاً لم يُذكر في نصوص أخرى (بإستثناء نص الرؤيا) وقد ذكر دون تفاصيل مما يعني أنه ليس له أهمية في ذاته كإسم علم لكنه مذكور كإشارة لشئ ما هو الشر وهو ما يتفق عليه نصي حزقيال والرؤيا.

لكن ماذا عن نص تكوين 10؟ هل له علاقة بسياق "الشر"؟

أعيد صياغة تحليل "بنيامين شو" مع بعض الإختلاف والإضافات[24]، في (تك 15:3) يُطرح المبدأ: نسل الحية في عداوة (حرب- صراع) مع نسل المرأة. بداية هذا الصراع نراه في (تك 4) حيث قايين يقتل هابيل، ثم يحل شيث محل هابيل، ويظهر لنا خطان منفصلان: نسل شيث ونسل قايين حتى وقت الطوفان، لكن قبل الطوفان مباشرة تبدو هذه الخطوط مشوشة. لكن بعد الطوفان مباشرة يظهر لنا مرة أخرى النسل المختار: سام (تك 25:9-27) في مقابل النسل الملعون مرة أخرى: كنعان، في هذا الإطار نال يافث بركة لكنه لم ينال نفس بركة سام، فقط سُمح له بالسكن في مساكن سام أي بصحبة بني إسرائيل، تفسر بركة يافث: "ليفتح الله ليافث" (تك 27:9) على انها كثرة في العدد، في العبرية الكلمة "ليفتح" هي " יפת"= To Enlarge، يوسّع، يكثر[25]. في الهاجاداه والشروحات اليهودية يُشار إلي هذه البركة ونسل يافث على أنه الأمم التي توسعت جداً في المناطق المحيطة ببني إسرائيل ويصل بعضها أن قورش من سلالته[26].
يبدو من هذا التحليل وأيضاً من سلاسل النسب المذكورة في تك10 أن نسل "يافث" سيكون نسلاً اممياً عظيماً جداً، لكنه ليس ضمن النسل الإلهي المختار وبالتالي هو من ضمن نسل الحية: نسل الصراع مع أبناء الله.
الأمم المذكورة في حز 38و39 هي من نسل حام ويافث (ق. مع تك 10) وجوج وماجوج هم من نسل يافث. الأمر يزداد وضوحاً جوج وماجوج: هما رمز للشر الأممي، رمز لنسل الحية الذي يحارب ضد أبناء الله. إنحدار "جوج" و"ماجوج" في نهاية الزمان ليس أمراً حرفياً إذاً.

كانت سلطة "جوج" في الشمال، لذا إستخدم كرمز للشر القادم، الشر هو رمز مهم للسلطة والقوة وبالرغم من أنه يستخدم كرمز لسلطة الله وعرشه، إلا أنه أيضاً يسُتخدم كرمز للشر والبرودة.

هناك رؤية أخرى رمزية تربط بين سفر التكوين وجوج وماجوج، من المحتمل أن تكون أرض جوج وماجوج في ذات المكان الذي كانت فيه جنة عدن: بدء الله الحياة في ذات المكان الذي ستنتهي فيه[27].




ملحق (1)
"جوج" و"ماجوج" في :
الكتابات اليهودية، الاساطير السريانية، القرآن والتراث الإسلامي، وكتابات الجغرافيين

أولاً: الكتابات اليهودية:
1. الرؤى السبيلية Sibylline oracles:
هي مجموعة من الرؤى المكتوبة باليونانية كتبت بين القرنين الثاني والخامس ميلادياً، يبدو أنها كُتبت بواسطة يهود الإسكندرية.
تشير هذ الرؤى إلي جوج وماجوج كأرض وسط أنهار أثيوبيا، في نص يشير إلي عقاب الأشرار وملوك الأرض: "سيجوز سيف، شتات، موت وجوع حتى ملوك الجيل السابع ثم يكف. واحسرتاه عليك يا أرض جوج وماجوج التي في وسط أنهار إثيوبيا" (3.390)[28]، ثم نجد ارض جوج ماجوج تُلعن في (3.645)، فهي أرض مشبعة بالدماء.

2. في الهاجاداه Aggadah [29]:
في الهاجاداه "جوج" و"ماجوج" هما إسم لعدو إسرائيل في نهاية الأيام، لكن التفاصيل تختلف قليلاً عن مثليتها في حزقيال، فالهاجاداه تقدم لنا "جوج" و"ماجوج" كإسمين متوازيين لنفس البلد. وهناك التالي:[30]
-         موسى رأى جوج وكل حشده صاعداً ضد إسرائيل ونازلاً لوادي أريحا (Mekh Be-Shalaḥ, 2)
-        إلداد وميداد (عدد 7:11) تنباءا عن جوج وماجوج (Sanh. 17a)
-        حرب جوج وماجوج هي في جوهرها حرب ضد الله، ومزمور 2 يُفسر كإشارة لها (Av. Zar. 3b; Tanh. Noah 18; Pd-RK 79)
-        الله نفسه سيخوض الحرب مع هذا العدو (جوج وماجوج) في آخر تجليات الحضور الإلهي (الشاكيناه) العشرة في هذا العالم (ARN1, 34, 102)
-        يري الرابي أكيفا R. Akiva أن دينونة جوج ستستمر مدة 12 شهراً:" ....هناك 5 أمور تستمر لمدة إثنا عشر شهراً: دينونة جيل الطوفان إستمرت إثنا عشر شهراً، دينونة أيوب إستمرت إثنا عشر شهراً، دينونة المصريين إستمرت إثنا عشر شهراً، ودينونة جوج وماجوج التي ستأتي ستستمر إثنا عشر شهراً، ودينونتي أنا الخاطئ في وادي هنوم (جنهم) ستستمر إثنا عشر شهراً" (Eduy. 2:10)[31]
-        هذه الدينونة ستجلب أزمة (فاجعة-كارثة) هائلة على إسرائيل، بجانبها ستبدو كل النكبات السابقة بلا أدنى أهمية (Tosef., Ber. 1:13)
-        أليعازر هركانوس Eliezer b. Hyrcanus يربط بين دينونة جوج وبين مجئ المسيا للدينونة الأخيرة (Mekh., Be-Shalaḥ 4: Shab. 118a)
-        حرب جوج وماجوج (تذكر أن الإسمين في الهاجاداه هما إسم واحد لأمة)ستكون الحرب الأخيرة، بعدها لن يكون هناك إستعباد، وسيكون مجئ المسيا (Sif. Num. 76, Deut 43, Sanh. 97b)

3. التراجم اليهودية:
- في التراجم الفلسطينية المسيا يلعب دوراً حيوياً في هذه الحرب. جوج وماجوج وجيوشهم سيصعدون إلي أورشليم ويسقطون في أيدي الملك المسياني لكن تجمع الشتات -على عكس ما قيل في حزقيال- سيكون بعد الإنتصار (Targ. Yer., Num. 11:26; ibid., Song 8:4) [32].
- نوع من الحل الوسطي نجده في الترجوم، فبيت إسرائيل سيهزم جوج ورفاقه من خلال مساعدة المسيا ابن افرايم،   (Targ. Yer., Ex. 40:11; cf. also Targ. Song 4:5)[33] لاحظ هنا أن الحرب ليست للمسيا وحده بل سيتشرك فيها بيت إسرائيل كطرف أساسي.
-  في ترجوم المزامير، مزمزر 49:8 نجد: "هو ينجيني من أعدائي، على هؤلاء الذين يصعدون ليسببوا لي الأذى أنت ترفعني، ستنجيني من جوج وجيوش الأمم الضارية التي معه"[34]

4. الكتابات اليهودية الأخرى:
تبدو أولى محاولات تحديد هوية جوج وماجوج في التاريخ هي عن طريق يوسيفوس المؤرخ اليهودي، نقرأ: " ... ماجوج جاء منه هؤلاء الذين سَموا "ماجوجيين Magogites"، لكنهم بواسطة اليونان سميوا "السكيثين[35] Scythians"[36]

ثانياً: الكتابات المسيحية:
من المصادر الكتابية وتقاليد الرابيين والكتابات المنحولة، إنتقلت هذه الروايات إلي آباء الكنيسة الأولى، أولى الإشارات إلي جوج وماجوج في الكتابات المسيحية ترجع إلى ما قبل القرن السادس، ودون الدخول في تفاصيل، نحن نجد في عدد من المواعظ والرسائل الخاصة بجيروم (إيرنيموس) الذي أشار أنهم شعب يقطن في الشمال خلف جبال القوقاز، وبعض الكتاب المسيحيين الأوائل[37] إشارات تربط بين جوج وماجوج وبين شعب غازي ما. فمع الهجرات القوطية أصبح القوط هم جوج وماجوج، وعند تهديد الهون إعتبروا هم أيضاً جوج وماجوج، كذلك الكازاريين، الأتراك، المجريين، البارثيون، والمغول.

ثالثاً: الأساطير السريانية:
هناك عدة أساطير سيريانية ظهرت مرتبطة بجوج وماجوج وعظمها تقريباً أساطير تحكي قصص عن الإسكندر العظيم (الأكبر) المقدوني الذي تبينه كإنسان مؤمن، كل هذه الأساطير قريبة الشبه ببعضها.

1. أسطورة مسيحية متعلقة بالإسكندر Christian Legend Concerning Alexander:
هي أولى هذه الأساطير وهي ترجع لحوالي عام 500 م، وهي تحكي أن الإسكندر أثناء غزوه العالم وصل إلي جبال القوقاز، حيث كان الطاغية بروميثيوس مقيد منذ زمن، وهناك إكتشف جحافل جوج وماجوج الشريرة وراء جبلين عظيمين، وبقوة الله حرك الإسكندر الجبلين وصنع بوابات من حديد ومن نحاس لتغلق الطريق أمام هذه الجيوش. لكن مع نهاية الأيام ستتحطم هذه الأبواب ليخرج جوج وماجوج لتدمير العالم.

2. بعد هذه الأسطورة ظهرت صور متعددة لها أو قريبة الشبهه منها مثل:
Pseudo-Callisthenes[38], The Apocalypse of Pseudo-Methodius[39], The Syrian Homily of Jacob of Surg,..etc

رابعاً: القرآن والتراث الإسلامي:
إنتقلت تلك الأساطير بتفاصيلها إلي القرآن، النسخة الأكثر تطابقاً مع النص القرآن والأحاديث هي منحول كاليستينيس. قارن سورة الكهف (93-96)" حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " مع منتحل كاليستينيس (340-390) " وحين ظفر هكذا الإسكندر بالنصر.... ثم تكبد في شجاعة مشقة تشييد بوابة قبالة أجوج وعائلة ماجوج وقيدهم (بالداخل) وأخذ حديداً ونحاساً بكمية وفيرة لصناعة البوابة".
يمكن عقد مقارنة بين منحول كاليستينيس كاملاً وبين قصة الإسكندر ويأجوج ماجوج (بحسب التسمية القرآنية) في صورة الكهف. راجع أيضاً سورة الأنبياء 96 "حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ" فهو نص يحمل بعد آخروي عن إنفتاح البوابة وخروج يأجوج ومأجوج في نهاية الأيام تماماً مثل منحول كاليستيينيس (470-700) "وسيأمر الرب بإيماءه منه سوف تنفتح البوابة، وبمشيئته المنتقمه سيجلب شعب بيت ماجوج ضد هذه الاراضي..إلخ".

يربط التراث الإسلامي (نقلاً عن الأساطير السريانية) خروج يأجوج مأجوج بعودة عيسى المسيح، حيث سينطلقون ليشربوا كل مياه دجلة والفرات ويقتلون سكان الأرض ثم يقتلهم الله في ليلة واحدة. ويذكر الثعالبي انهم من اكلة لحوم البشر (قارن مع منحول كاليستينيس) وذكر الطبري في تفسيره أنهم يقطنون خلف جبال أرمينيا وأذربيجان[40].

خامساً: الكتابات الجغرافية:
- في القرن التاسع أرسل الخليفة الواثق بالله بعثة لإكتشاف بوابات الإسكندر وشعب جوج وماجوج ولم ينجحوا في العثور على شئ في جبال الوقاز ثم توغلوا أكثر في آسيا حيث قدموا تقارير أنهم وجدوا هناك حائطاً ضخماً[41].
- ماركو بولو (1271-1298) إعتبر أن التتار هم جوج وماجوج[42].
- بنهاية القرن السابع عشر إنذوى الجدال القائم حول هوية جوج وماجوج حينما تم إكتشاف معظم بقاع العالم المجهولة وتم التأكد أنه لا توجد أرض أو شعب مجهول يحملان أسماء جوج وماجوج.
لكن في أواخر القرن الثامن عشر في وسط القوقاز أشار جاكوب رينجز[43] إلي شعب يُدعى الThiulet في منطقة بين جبال تُدعي Ghef أو Gogh (باللغة المحلية هناك) أعلى قمم هذه الجبال تقع على شمال بلدتهم، هذه القمم تُدعى Mugoh أو Mughet[44].

هل جاءت هذه الأسماء من اسطورة جوج وماجوج، أو أن الأساطير نبعت من أجداد هؤلاء الناس؟!!.




[1]  أي الأساطير الخيالية الحالمة التي تكتب عن الأبطال الخالدين
[2] A Hebrew-English Bible according to the Masoretic Text and  the JPS 1917 Edition, Mechon Mamre 2005
[3] Interlinear Greek Septuagint, The Apostolic Bible Polyglot 2006
[4] A Hebrew-English Bible,
[5] Interlinear Greek Septuagint,
[6] Gyges: Encyclopædia Britannica, Ultimate Reference Suite, Chicago 2010
[7] Jona Lendering, Gyges of Lydia, Article at: http://www.livius.org/men-mh/mermnads/gyges.html
[8] John Mark Ruthven & Ihab Griess, The prophecy that is Shaping History: New Research on Ezekiel’s Vision of the End, Xulon Press, FL 2003, p. 57
[9] M. Cogan & H. Tadmor, Gyges and Ashurbanipal: a study in literary transmission, Orientalia 46, 1977, page 68
Jona Lendering, Gyges of Lydia, Article at: http://www.livius.org/men-mh/mermnads/gyges.html
[10]  بسمتك الأول: حكم من سنة 664 ق.م.- 610 ق.م.: جورج بونزر وآخرون، معجم الحضارة المصرية القديمة، مكتبة الأسرة، القاهرة 1996
[11] M. Cogan & H. Tadmor, Gyges and Ashurbanipal: a study in literary transmission, Orientalia 46, 1977, page 68
Jona Lendering, Gyges of Lydia, Article at: http://www.livius.org/men-mh/mermnads/gyges.html
[12] Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 7,Thomson and Gale 2007, p. 748
[13] Benjamin Shaw, Gog of the Land of Magog: The Analogy of Scripture and the Interpretation of Ezekiel 38-39, Presented to ETS Southeast Regional, March 2000, p.3
[14]  ليون موريس، التفسير الحديث للكتاب المقدس: العهد الجديد: سفر الرؤيا، دار الثقافة 1996، ص.255
[15] Benjamin Shaw, Gog of the Land of Magog, p.3
[16] Oswyn Murray & Alfonso Moreno, eds., A commentary on Herodotus: Books I-IV, Oxford University Press 2007, p. 84
[17] The History of Herodotus, Book I, trans. George Rawlinson, (http://classics.mit.edu/)
[18] The History of Herodotus, Book I
Emily Katz Anhalt, Seeing is Believing: Four Women on Display in Herodotus’ Histories, New England Classical Journal 35.4,2008, p. 269-280
[19] Plato, Republic II 360b, trans. Henry Shapiro
[20] Nicolaus of Damascus 49.44, trans.: Henry Shapiro
[21] The History of Herodotus, Book I,14
[22] The History of Herodotus, Book I
[23]  بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق الأدني، المكتبة البولسية، لبنان، 2003، ص428
[24] Benjamin Shaw, Gog of the Land of Magog, p.4-5
[25] Strong’s Hebrew Dictionary,
Aramaic English Standard Version of the Peshitta
[26] Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 11,Thomson and Gale 2007, p. 86
[28] The Sibylline Oracle, trans. Milton S. Terry (sacred-texts.com), 2001
[29]  وهي الكتابات قبل الرابانية، عبارة عن تفاسير للعهد القديم العبري في صورة قصصية، في الحقبة الهيلينية شملت تفاسير للكتابات غير القانونية.
[30] Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 7, p. 683-684
[31] Mishnah, Fourth Division: Nezikin: Eduyoth 2.10, The Mishnah,  trans, Herbert Danby, Oxford University Press 1933
[32] Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 7, p. 684
[33] Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 7, p. 684
[34] The Psalms Targum: An English Translation, trans. Edward M. Cook 2001
[35]  السكيثيون: شعب قطن سكيثا في شمال فارس، معظم معلوماتنا عنهم نستمدها من هيرودتس وأوفيد، نجد لهم آثار في شرق روسيا وأوكرانيا، إستخدم الإسم في بعض الأحيان للإشارة للقوط.
http://en.wikipedia.org/wiki/Scythians
[36] Josephus Ant. 1.6.1, The New Complete Works of Josephus with Commentary, trans. William Whitson, Kregel Publications, Grand Rapid, MI 1999
[37]  للمزيد من التفاصيل عن الإشارات لجوج وماجوج في كتابات الآباء مثل جيروم واغسطينوس وغيرهم يمكن الرجوع إلي:
Mohr  Siebeck, Gog and Magog: Ezekiel 38-39 as pre-text for Revelation 19,17-21 and 20,7-10, Wissenschaftliche Untersuchungen zum Neuen Testament: Reihe 2, 135, Tübingen 2001
[38]  تبدأ بهذه الجملة: " مقالة (طرح) قام بصياغتها مار يعقوب عن الاسكندر الملك المؤمن وعن البوابة التي اقامها عند جوج وماجوج"، منحول كاليستينيس، ترجمة إنجليزية أ. واليس بادج، تعريب جرجس كامل يوسف، تنسيق وهوامش أوديت وهبة، نص غير منشور 2009
النسخة الإنجليزية: The History of Alexander the Great being the Pseudo-Callisthenes, trans. Ernest A. Wallis Budge, Cambridge 1889
يمكن الرجوع للنسخة اليونانية (وهي مترجمة عن السريانية) على
http://www.scholiastae.org/scholia/Pseudo-Callisthenes
[39]  للأسف لم أنجح في الحصول على أي نسخة منها، هي رؤيا منحولة من القرن السابع تنسب للأب ميثوديوس الأوليمبي، تحتوي على نماذج أخروية مسيحية مثل ظهور وسيطرة ضد المسيح، غزوات جوج وماجوج، والضيقة التي ستسبق نهاية الأيام.
http://en.wikipedia.org/wiki/Pseudo-Methodius
[40]  دائرة المعارف الإسلامية الإستشراقية، الجزء الثالث، دار نون، القاهرة 2010، ص405
[41] Lindsay McMullen, Gog and Magog in Antique Maps,( http://www.geographicus.com/blog/rare-and-antique-maps/gog-and-magog-in-antique-maps/)
[42] Lindsay McMullen, Gog and Magog in Antique Maps,
[43] Jacob Reineggs: ولد في ألمانيا عام 1774م، إسمه الحقيقي كريستيان رودلف إليش، نال الدكتوراة في الطب من المجر عام 1773، ثم إنطلق للشرق وإتجه صوب جورجيا، في عام 1779 أصبح طبيب بلاط ملك تبليسي (عاصمة جورجيا)، أصبع معروفاً جداً وعينته روسيا سكرتيراً علمياُ لصالحها، مات عام 1793 نتيجة إدمانه الأفيون. أثناء حياته في جورجيا والقوقاز لأصبح مهتماً جداً بالمنطقة كلها، ونُشرت كتاباته عنها في جزئين بعد موته عامي 1799و1796 حيث إحتوت على معلومات كثيرة جداً جغرافية وإثنية وتاريخية وإقتصادية ولغوية.
[44] Andrew Runni Anderson, Alexander’s Gate, Gog and Magog and the Indorsed Nations, Duke University 1932

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.